التسويق بين العلم والفن

مقدمة شخصية
من خلال رحلتي في عالم الاستشارات والتسويق، أدركت أن هذا المجال ليس مجرد أدوات أو حملات إعلانية، بل هو لغة خفية بين الإنسان والفكرة، بين الحلم والواقع. التسويق بالنسبة لي ليس وظيفة، بل هو رسالة: كيف نصنع قيمة حقيقية ونوصلها بصدق للآخرين؟
التسويق كعلم
التسويق اليوم علم متكامل يعتمد على البيانات والدراسات.
نبدأ بتحليل السوق، تقسيم الشرائح (Segmentation)، وتحديد الموقع المناسب للعلامة (Positioning).
الأرقام هنا ليست باردة كما يظن البعض، بل هي بوصلة تُرشدنا نحو أين يذهب العميل، ماذا يفكر، وكيف يتخذ قراره.
ومع تطور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أصبحنا قادرين على التنبؤ بسلوك المستهلك بشكل لم يكن ممكنًا من قبل.
التسويق كفن
لكن، مهما بلغ علم التسويق من تطور، سيبقى الجانب الإبداعي هو قلبه النابض.
الفن يظهر في:
صياغة رسالة بسيطة لكنها عميقة.
استخدام صورة أو لون يعلق في الذاكرة.
صناعة قصة قادرة على لمس المشاعر.
هنا يتحول الإعلان من مجرد محتوى إلى تجربة إنسانية تبقى مع العميل.
قصص ملهمة من التسويق
ستاربكس: لم تبع القهوة فقط، بل باعت "تجربة" الجلوس في مكان مريح وكأنك في بيتك الثاني.
Airbnb: لم تقدم خدمة مبيت فقط، بل باعت فكرة "الانتماء" والشعور بأنك في وطنك أينما سافرت.
هذه الأمثلة تثبت أن التسويق الناجح لا يبيع منتجًا، بل يخلق قصة وحلمًا يعيش في وجدان الناس.
التسويق والعقل اللاواعي
الأبحاث أثبتت أن أكثر من 70% من قرارات الشراء تُحسم في اللاوعي.
هنا يتجلى دور التفاصيل الدقيقة:
لون يرمز للثقة مثل الأزرق.
كلمة تربط المنتج بالأمان.
صوت موسيقي قصير يثير الحنين.
هذه الرموز الصغيرة أقوى من آلاف الكلمات، وهي التي تُبني ولاء طويل الأمد للعلامة التجارية.
مستقبل التسويق
في عالم سريع التغير، من لا يستثمر في التسويق سيظل في الهامش.
المستقبل سيكون لمن يفهم عملاءه بصدق، يقدم قيمة حقيقية، ويتبنى التكنولوجيا دون أن يفقد الجانب الإنساني.
فالإنسان سيبقى دائمًا هو محور التسويق، مهما تغيرت الأدوات والمنصات.
الخاتمة
التسويق في نظري هو مزيج بين العلم والفن، بين المنطق والعاطفة.
من يتقنه لا يبيع منتجًا فقط، بل يكتب قصة نجاح تلهم وتؤثر وتعيش طويلًا.
ورسالتي لكل رائد أعمال أو مؤسسة: استثمروا في التسويق بوعي، فالتسويق ليس تكلفة، بل هو أعظم استثمار في بناء المسقبل